بسم الله الرحمن الرحيم
جميعنا نعلم ان النفس امارة بالسوء وان الانسان ضعيف امام غرائزه
وقد يتعدى حدود الله ويقع فيما نهى عنه الله
ومن رحمة الله بنا ومعرفته بخلقه (الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)الملك
انه تعالى ارشدنا لما يجب ان نقوم به اذا اخطأنا ووقعنا في المعصيه حيث قال:
(ان الله يحب التوابين(222))البقرة
والتواب هو كثير الرجوع الى الله تعالى,الذي يرجع الى طاعة الله بعد معصيته,
والى موافقة امره بعد مخالفته,فكل ذنب يبعد الانسان عن الله, ويقطع صلته بمولاه,ففي الحديث القدسي
قال تعالى:<اني خلقت عبادي حنفاء كلهم وانهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم>والسعيد هو من اذا ضل اناب, واذا اذنب تاب,فان الله تعالى قال:
(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما(110))النساء
وقال تعالى:
(والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(135))ال عمران
والتوبة عقب الذنب واجبة على الفور,لايجوز تأخيرها ولا التسويف بها, وذلك لقوله تعالى: (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما(17))النساء
<<ومعناه عن قرب عهد بالخطيئة ,بأن يندم عليها, ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل
ان يتراكم الران على قلبه فلا يقبل المحو, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(واتبع السيئة الحسنة تمحها) حسن
وقال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بربه)
وقال لقمان لابنه:يابني!لا تؤخر التوبة, فان الموت يأتي بغتة.
ومن ترك المبادرة الى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين:
الاول>> :ان تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا وطبعا فلا
يقبل المحو.
<<الثاني>> : ان يعاجله المرض او الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو,ولذلك قيل ان اكثر صياح اهل النار واحسرتاه من سوف
فيا ايها المذنب بادر الموت واستبق الخيرات, واغتنم حياتك قبل موتك> فان الموت يأتي بغتة(وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي ارض تموت(34))لقمان.
فبادر بالتوبة وعجل بالانابة,
فأنك لا تدري اذا جن ليل هل تعيش الى الفجر.
وقد رغب الله سبحانه وتعالى عباده في التوبة وفتح لهم بابها, ونهاهم عن اليأس من رحمته والقنوط من مغفرته,فقال تعالى:
(يا ايها الذين امنو توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار()التحريم.
وقال تعالى:
(واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى(82)).
وعن ابي موسى الانصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(ان الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها).
وعن ابي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه).
والاعظم ترغيبا قوله صلوات الله عليه وسلامه:
(لله اشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب اليه أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت
منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك اذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم انت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح).
اذا ماذا ننتظر لنتوب؟
فلنكثر جميعا من التوبة ولنكثر من الاستغفار , وليعلم التائب المبتدئ انه لابد من تغيير البيئه بعد التوبة ,فرفاق السوء لا يصلحون له بعد التوبة,وقد وصى العالم قاتل المائة بتغيير البيئة:
عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن اعلم اهل الارض فدل على راهب فأتاه فقال انه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل اهل الارض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع الى ارضك فانها ارض سوء فانطلق حتى اذا نصف الطريق اتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه الى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة ادمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا مابين الارضين فالى
ايتهما كان ادنى فهو له فقاسوه فوجدوه الى الارض التي اراد فقبضته ملائكة الرحمة).
والتوبة النصوح لا تتوفر الا بثلاثة شروط :
1-الاقلاع عن الذنب.
2-الندم عليه.
3-العزم الاكيد على ان لاتعود اليه.
ذلك ان كان الذنب بينك وبين الله اما ان كان فيما بينك وبين الناس فلا بد من رد المظالم لاهلها عند القدرة واستحلالهم منها اذا امنت الفتنة ,فمن عجز عن ذلك وجب عليه ان يتوب الى الله ويكثر الدعاء والاستغفار لاصحاب المظالم حتى يكافئهم بالدعاء لهم على ما وجب لهم عليه, فاذا توفرت هذه الشروط في التوبة فهي مقبولة ان شاء الله.
ربنا انا ظلمنا انفسنا ظلما كبيرا ولا يغفر الذنوب الا انت
فتب علينا واعفو عنا
انك انت التواب الرحيم
امين امين امين
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا *** لقطاً وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه *** نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها *** خلفي واخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضَّيْتها لعباً *** قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا *** وكان زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك *** من كانت تخر له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا *** مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها *** واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً *** ورافلاً في ثياب الغيِّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
[size=24][/size]
(لا تنسونا من الدعاء)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين .