عدد الرسائل : 356 العمر : 37 الموقع : مع نجوم اليل تاريخ التسجيل : 05/05/2008
موضوع: عاما على اغتيال غسان كنفانى................. السبت 9 أغسطس 2008 - 9:25
عاماً علي اغتيال غسان كنفاني.. الصحفي والفدائي
٨/٨/٢٠٠٨
<table cellSpacing=0 cellPadding=0 border=0><tr><td></IMG></TD></TR> <tr><td></TD></TR> <tr><td>غسان كنفاني مع أسرته </TD></TR></TABLE>
في ٨ يوليو ١٩٧٢ خرج المناضل والكاتب والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني من بيته بمنطقة الحازمية في بيروت ليذهب إلي مكتبه بمجلة «الهدف»، التي كان يرأس تحريرها، ولحقت به ابنة أخته (لميس حسين نجم)، التي أصرت علي أن تذهب معه، وأدار محرك السيارة فانفجرت وخلف الانفجار العنيف فجوة كبيرة في المكان الذي كانت تقف به السيارة، وأدي إلي تحطيم نوافذ العمارة بأكملها التي كان يقطن بها غسان مع زوجته الدنماركية (آني) وولديه فايز ١٠ سنوات، وليلي ٦ سنوات، وأخته التي جاءت لزيارته من الكويت، حيث كانت تعمل بالتدريس هناك، وصحبت معها أولادها في هذه الزيارة، وكان من بينهم ابنتها (لميس) التي لقيت مصرعها في الحادث. وعثر المحققون في موقع الانفجار علي قصاصة ورق عليها شعار إسرائيل (نجمة داوود السداسية) مكتوب عليها عبارة «مع تحيات سفارة إسرائيل في كوبنهاجن»، والمقصود بهذه العبارة السخرية من زواج غسان من فتاة دنماركية تعرف عليها عندما التقت به في سوريا، وطلبت منه أن يساعدها لدراسة ومعرفة حقيقة ما يدور داخل مخيمات اللاجئين، حيث جاءت لدراسة أحوالهم، قال لها: «أولاً وقبل دراسة أوضاع اللاجئين لابد أن تعرفي القضية الفلسطينية، فاللاجئون في المخيمات ليسوا حيوانات معروضة في حديقة للفرجة فقط، ولكنهم ثمرة ورمز لقضية كبيرة، ولا يمكن فهم أحوالهم بدون فهم القضية الأصلية». تحمست (آني) للقضية الفلسطينية وبذلت مجهوداً كبيراً في التعرف عليها وفهمها، وعندما عرض عليها غسان الزواج قبلت، وقد لعبت دوراً جيداً في الدعوة للقضية الفلسطينية في أوروبا الغربية، خاصة في الدنمارك، وبذلت جهوداً متميزة للحصول عن طريق أوروبا علي نصوص أدب المقاومة العربية في الأرض المحتلة، مما ساعد غسان علي إصدار أول كتاب عربي عن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، وظهر هذا الكتاب سنة ١٩٦٦ وحمل في صفحاته أول إشارة إلي أسماء محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم من أدباء فلسطين الذين لم يكونوا معروفين في ذلك الوقت. ونتيجة للانفجار تمزقت جثة غسان إلي أشلاء صغيرة، وتطايرت خارج السيارة، وتناثرت في أنحاء مكان الحادث، وسقط الجزء الأكبر منها في حديقة مجاورة، كما عثر رجال الأمن علي إحدي يدي غسان فوق سطح منزل مجاور، وتبين من التحقيقات التي تم إجراؤها أن كمية الديناميت التي استخدمت بلغ وزنها ٥ كيلو جرامات، ليس ذلك فحسب، بل تم وضع قنبلة بلاستيكية فوق ماسورة العادم حتي تنفجر القنبلة والديناميت في وقت واحد بمجرد أن يعمل المحرك، ولو كانت السيارة موجودة في ذلك الوقت بداخل جراج العمارة التي يسكن بها غسان لنسفت هذه الكمية المبني بأكمله بحسب ما قاله الخبراء. وقبل فترة قصيرة من اغتيال غسان، قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان غسان من أبرز زعمائها في ذلك الوقت بعملية فدائية في مطار (اللد) داخل إسرائيل نتج عنها مقتل بعض الإسرائيليين، وكنتيجة مباشرة لهذه العملية وتحقيقاً لشعار صهيوني يقول «كل يهودي بمائة عربي» قامت إسرائيل بالرد علي هذه العملية بهجوم كبير علي جنوب لبنان، تلاه اغتيال غسان لأنه كان من ألمع الرموز الفلسطينية المعبرة في مواقفها وكتاباتها عن ضرورة تحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة وليس بأسلوب آخر، وله في ذلك عبارة مشهورة يقول فيها: «كن رجلاً تصل إلي عكا في غمضة عين، أما إذا كنت لاجئاً فقط فلن تراها أنت ولن يراها حتي أحفادك». ولأنه لم يأبه للتهديدات التي تلقاها قبل اغتياله، ولم يأخذ احتياطاته كالكثير من زعماء الجبهة، فمنهم من اختفي عن الأنظار أو ابتعد عن المنازل ذات العناوين المعروفة، ولأن ظاهرة السيارات الملغومة والمفخخة لم تكن انتشرت بعد، وحادثة تفجير سيارته كانت الأولي بلبنان، ولأن طبيعة عمله ككاتب وصحفي تفرض عليه الحركة والحضور اليومي إلي مقر عمله بمجلة «الهدف»، اكتفي بحمل مسدس معه. حياة غسان لم تكن سهلة يسيرة بل كانت مليئة بالقسوة والتنقلات، التي كانت كأنما هي قدره، فبعد مولده بأيام قليلة في ٩ أبريل ١٩٣٦ انتقل مع عائلته إلي «يافا» حيث أتم تعليمه في مدرسة (الفرير) الابتدائية، وهي إحدي مدارس الإرساليات الفرنسية، وكانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا، وهو الحي الملاصق لتل أبيب، الذي شهد أولي حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود عام ١٩٤٨ إثر تقسيم فلسطين، فخرج غسان إلي «صيدا» في جنوب لبنان مع أسرته المكونة من أبوين وسبعة أشقاء، ثم انتقلوا بعد ذلك إلي دمشق وواصل غسان تعليمه في المدارس المسائية حتي نال شهادة الثانوية عام ١٩٥٤، وأثناء دراسته كان يعمل لمساعدة أسرته في بعض مصانع الورق والمطابع والتدريس في مخيمات اللاجئين، وفي عام ١٩٥٦ انتقل إلي العمل بالكويت، وهناك احترف التدريس والصحافة، وكتب أولي قصصه «القميص المسروق» التي نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية، وظل بالكويت حتي عام ١٩٦٠ حيث استقر به المقام في بيروت وعمل في «الأنوار» و«المحرر» البيروتية، التي كانت تصدر أسبوعية صباح كل اثنين، في ذلك الوقت لفت إليه الأنظار كصحفي جاد ونشيط في خدمة القضية الفلسطينية، ثم انضم إلي حركة القوميين العرب عام ١٩٦٣، وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصدرت جريدة ناطقة باسمها حملت اسم «الهدف» التي توفي وهو رئيس تحريرها. أما إنتاج غسان الأدبي فكان غزيراً ومتنوعاً بصورة لافتة للنظر، فكان صحفياً ناجحاً وكاتب مقالاً وقصة قصيرة ومسرحية، وبموهبته وعمق تفكيره استطاع أن يكون حتي اليوم الروائي الفلسطيني الأول من حيث القيمة والأهمية، إلي جانب ذلك رسم بريشته معظم أعماله الأدبية، ولا ننسي أيضاً أنه صاحب الفضل في تقديم شريكه في المصير والنهاية المأساوية الرسام الفلسطيني ناجي العلي، وذلك بإتاحة الفرصة له لنشر رسوماته علي صفحات مجلة «الحرية» التي كان يرأس تحريرها غسان، وكانت بداية الانطلاق لناجي حتي وصل إلي قمة النجاح والتأثير وإن كان الأمر قد انتهي باغتياله سنة ١٩٧٨ في لندن. وفي أدب غسان ثلاث روايات رئيسية تعتبر من روائع الأدب العربي المعاصر هي «ما تبقي لكم» و«عائد إلي حيفا» و«رجال في الشمس» التي تصور الواقع الفلسطيني تصويراً قاسياً وصادقاً وجارحاً، كما أن الرواية تهتم برسم التفاصيل الواقعية الدقيقة للمحنة، وتشير في رمزية راقية إلي أن المصير لن يتغير إذا استسلم الفلسطيني لآلامه وتعايش معها أو تصالح، فهي تروي حكاية ثلاثة فلسطينيين يحاولون دخول الكويت من البصرة داخل خزان سيارة، خوفاً من منعهم علي الحدود، لأنهم لا يملكون تأشيرة دخول الكويت، ويحلمون بالحصول علي عمل في الكويت يعيشون منه وينفقون علي عائلاتهم التي تركوها وراءهم في المخيمات، ويحدث أن يتأخر سائق السيارة في إنهاء إجراءات الدخول مما يؤدي إلي اختناقهم داخل خزان السيارة من شدة الحرارة، وصرخ السائق عندما اكتشف المأساة: «لماذا لم تدقوا باب الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟» هي نفسها صرخة غسان الذي كان في كل أدبه رافضاً السلبية والاستكانة، داعياً بقوة إلي الإيجابية والدق علي أبواب كل خزانات الأرض من أجل الخلاص والتحرر. ومن أهم أعمال غسان في القصة القصيرة مجموعتان هما «موت سرير رقم ١٣»، التي استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض وصدرت سنة ١٩٦٢، و«أرض البرتقال الحزين» وتحكي عن رحلة عائلة من «عكا» وسكناها في «الغازية» وصدرت سنة ١٩٦٣ وأيضاً «أم السعد»، وقصصه الأخري كانت مستوحاة في معظمها من ناس حقيقيين، وفي فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة ٣٦ في فلسطين، فأخذ يجتمع والناس في المخيمات ويستمع إلي ذكرياتهم عن تلك الحقبة، التي سبقتها وما تلاها، ونشرت في مجلة «شؤون فلسطين»، أما في مجال المسرح فله عدة أعمال أهمها مسرحية «الباب» وصدرت حوالي سنة ١٩٦٤، ومسرحية «القبعة والنبي» وكتبها سنة ١٩٦٧ ولم تنشر إلا بعد استشهاده.